ما علينا فهمه عن النظم الإقتصادية ... للوقوف على المطالبات بزيادة الأجور ..

السلام عليكم ...

لم يكن من السهل على ما حسبت ، أن أخرج بمقال أتناول فيه الفكر الحقيقي للإقتصاد العام في الدول وربطه بواقع الإقتصاد العماني، ولكن بمنة الرحمن شاءت الأقدار أن يقع في يدي فصل كامل من كتاب طريقة التفكير الإقتصادي وأخرج بمختصر مجتذب وخلاصة رائعة تتناول مجموعة من المفاهيم التي يجب على أي مواطن فهمها وإستيعاب المجمل والتفصيل عنها. ومن ثم قمت بعمل زيارات متقطعة لموقع وزارة الإقتصاد والذي يتناول مضامين الفكر الإقتصادي العماني وإن كانت كما أشرت سابقا في مقال آخر أنه موقع تناول الإستراتيجيات والخطط في مقالات نثرية مع وجود بعض الحقائق الإحصائية التي عملت على ولادتها اللجنة الإستشارية للأحصاء وهناك جهد لا بد من الثناء عليه.

كذلك وبعد تتبعي للمواضيع المطروحة في سبلة السياسة والإقتصاد ومتابعة الردود في المواضيع التي طرحتها أو المواضيع الأخرى لاحظت غموضا يعتري فكر الكثير من الناس في فهم الفكر الإقتصادي الصحيح لبناء ردودهم أو مواضيعهم فيما يتعلق بمطالباتهم ، المطالبة بزيادة الرواتب أو كما تسمى إقتصاديا الأجور كان الشغل الشاغل لكل من طرح أو عقب لموضوع إقتصادي وكانت السطحية في تناول الأمر سببها حاجة الناس إلى سعادة دائمة توفرها له الحكومة له ولإبنائه عن طريق الحوافز النقدية أو المالية أو زيادة الأجور، والتي عادة ما تكون من ضمن خطط حكومية مدروسة لحل مشاكل إقتصادية وفيها إسعاد الناس لفترات قصيرة، وسأتناولها بشيء من التفصيل لاحقا.

الأمر ليس بذلك السهل فهو ممتنع في أغلب الأحوال لغياب الكثير من المعطيات أمام المقرر الإقتصادي العماني سواء لغياب المصفوفة الأحصائية الصحيحة أو ،هكذا هو الأمر، لا يمكن الوفى بالوعد أو إعطاء الوعد نفسه بزيادة رواتب أو خفض اسعار المواد الإستهلاكية لأسباب أهمها أن مؤشرات الإقتصاد في معظم الأحيان غير واضحة وذلك للعلاقة القوية مع المؤثرات الأخرى كقياس الناتج المحلي أو القومي الإجمالي والبطالة والكساد والمناخ وجشع التجار ومركزية التسويق والتخطيط الإستراتيجي السيء والحروب والفساد .. الخ. وهذا يجر هذا ...

النقاش الدائر في المنتديات أو المقاهي ومجالس النساء والرجال حول قياس قوة وضعف الإقتصاد، كساده ونموه ، تضخمه وإنكماشه ، إستقرار الإسعار وإرتفاعها، البطالة العجر الفائض، الخ، كله يصب جم اللوم على التحرك الحكومي لحل الأزمات أو الإستفادة من القوة، وعادة مقايس الناس العامة للإقتصاد يشعل الجدل بين التوقعات السلبية والإيجابية ويجلب الكثير من الإحباطات.


ليست المشكلة في التقلب الإقتصادي بين تضخم وإنكماش أوركود وقوة ولكن حسب متابعتي للنمو الإقتصادي في عمان والمؤشرات المطروحة في كتيبات الإحصاء تشير إلى مشكلة أكبر من تلكم التي يتكلم عنها المسؤل وهي مشكلة إدارة المال.

والنقاش الدائر في المواضيع المطروحة تقف على الكثير من الفساد في إدارة المال العام والموازنات المعلنة حتى أن أحدهم كتب أنه صُرف في أحد الحفلات التابعة لأحد الوزارت ثلاثة ملايين ريال عماني و أحدهم وزع مناقصة بستين مليون لبناء ثلاثين وحدة سكنية ويتسائل عن ستمئة ألف ريال فائض من قيمة المناقصة وغيرهم من ذكر الكثير الكثير من المواضيع المتعلقة بإدارة الموازنات في مختلف الوزارت والوحدات الحكومية ، وأعجبني ذلك الكريكتير الذي صور المال العام في برميل وأربعة صنابير، ثلاثة منهم تسكب كالشلال أحدهم مناقصات والأخر سياحة والثالث أشياء أخرى وأما الرابع فكان بالتقطير صنبور الرواتب! هناك الكثير من الأمثلة التي تثبت أن المال وافر والموازنات مشبعة ولكن ما نحتاج إليه هو إدارة حقيقية لذلك المال وحفظه من الضياع.


سأتكلم عن ثلاثة مفاهيم أساسية يجب على المتحدث عن مواضيع الإقتصاد الوقوف عليها ومن ثم تحليل المعطيات من وزارة الإقتصاد أو ما يبث في الإعلام كمؤشرات البطالة أو الناتج المحلي الربع سنوي. سأسردها على شكل نقاط ليسهل تتبع المقال ... ومن ثم سأختمه ..

أولا : الناتج المحلي الإجمالي:
1. والذي يعرف بأنه يقيس القيمة السوقية للسلع والخدمات النهائية المحلية – كسلسلة إنتاج طاولة طعام على سبيل المثال أو تصليح سيارة. يحسب الناتج المحلي الإجمالي من الإنفاق على السلع والخدمات والقيمة المضافة، سأوضح بمثال ...
"صاحب مزرعة نخيل يأجر مزارع لقطف التمور وبيعه لمصنع التعبئة" – من هذا المثال قطف المزارع للتمور وبيعه للمصنع لتعبئته يعتبر خدمة – من ثم يقوم المصنع بتنظيفة وتعبئته وبيعه (الربح لكل طرف – صاحب المزرعة ، المزارع، المصنع = القيمة المضافة) .. إذن الناتج المحلي الإجمالي يساوي القيمة المضافة للسلع والخدمات .. الخسائر التي ربما يتحملها أي طرف تعتبر خسائر محاسبية وليست إقتصادية.


2. هناك سلع أخرى لا يتم بيعها لسبب ما في السنة التي تم صنعها فيه ، لذلك يتم بيعها في السنة التي تليها .. فأنها تحسب القيمة السوقية للناتج المحلي الإجمالي بتوقع بيعها في نفس السنة ولكن نظم الإقتصاد العالمية تعمل مراجعة للناتج المحلي الإجمالي للسنة الماضية للحصول على ناتج محلي حقيقي.

3. في حالة بيع خدمة كإعادة بيع سيارة قديمة موديل 1995 – فأن القيمة الإجمالية المحلية تكون قد حسبت في 1995 ولكن يضاف لهذه السنة الخدمة او الربح الصافي لبائع تلك السيارة.

4. الإنحدار في الناتج المحلي الإجمالي عادة لا يتوزع على الناس بصورة عادلة أو بالتساوي وبالتالي تزيد البطالة وتنخفض رواتب العمال ويبدأ الناس في التذمر.

5. أخيرا .. أسباب ومشاكل التقلبات في معدل الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في المجتمعات التجارية غير مفهومة بشكل جيد وخاصة التي تستخدم النظريات والأطر التقليدية.

ثانيا: التضخم والإنكماش
1. التضخم ليس إرتفاعا في تكلفة المعيشة، التضخم أساسا هو سقوط في قيمة النقود أو قوتها الشرائية ويعبر عن التضخم بالمثال التالي - علبة فاصوليا كلفتها هذه السنة ريال بينما كان سعرها في العام الماضي نصف ريال – هذا يعني أن تكلفة الحصول على الريال العام الماضي أقل عن هذا العام (أي قيمة النقود هي من تخلق المشكلة)
2. الإنكماش هو الإرتفاع في القيمة أو القوة الشرائية للنقود.
3. الحساب النقدي على التضخم والإنكماش وإزالة التضخم يصبح صعبا جدا ويجعل قرارات زيادة الرواتب والأجور والحساب التجاري للربح والخسارة معقد ومستحيل أحيانا.


الفائز بجائزة نوبل والعالم النظري الفطن حول دور إشارات السعر النسبي في تنسيق خطط الأفراد يقول :

أ‌. "النقطة التي يجب أن نتذكرها بشكل دائم أن كل التعديلات الإقتصادية تصبح ضرورية بسبب التغيرات الغير متوقعة ..."
ب‌. "أن طرق المحاسبة التي تعتمد عليها كل القرارات تكون منطقية فقط عندما تكون قيمة النقود مستقرة بشكل مقبول ..."
ت‌. "لا يمكن بالتالي أن يكون التضخم أبدا أكثر من حافز مؤقت ... " – البعض يتسائل كيف يكون التضخم حافز .. نعم عندما تريد الحكومة خلق فرص عمل – سأشرحة بالتفصيل في الفقرة القادمة.


4. عندما يرى المراقبون التقلب في الناتج المحلي في الربع الاول عنه في الربع الثاني أو الثالث سببه عادة إنخفاض عام في صناعة معينة يؤثر على صناعة أخرى – كأن يكون زائدا 9% في الربع الأول ومن ثم منخفضا 9.5% في الربع الثاني.

5. ليس وظيفة الحكومة في النظم الإقتصادية العالمية تحفيز الطلب وإنما إبقاء الحوافز عن طريق إبقاء أمن المللكية بشكل أساسي ، هذا ما يقود الناس إلى الإنتاج والتوفير والإستثمار.


ثالثا: البطالة
1. الباطل عن العمل هو من لا يكسب أجرا بالعمل لدى شخص آخر أو لا يعمل لحساب نفسه في عمل يملكة.
2. تحسب البطالة بمسح شهري أو سنوي لمجموعة من أفراد المجتمع وليس بمخرجات الجامعات والمدارس النظامية ... 3. هناك بطالة صحية وهي تلك التي يكون فيها الأفراد يختارون بين الوظائف ولا يقبلون بأي وظيفة مع التوفر. (مع الحذر أنهم يصبحوا بعد فترة من ضمن نسبة البطالة!)
4. يجب أن يكون هناك تميز بين عاطل وبين "ليس في قوة العمل"...
5. لا يوجد مفهوم أو معيار يمكن تحديد البطالة به ولكن تحسب تكاليف العاطلين عن العمل.
6. أحيانا البطالة تنتج من سلوك وأفعال الناس حول التمسك بخيار بعين وحساب المنافع التي يتوقعها من العمل الجديد.
7. دخول النساء في قوة العمل جعل خلق العديد من الفرص الجديدة محتم ...
8. ترتفع البطالة بحدة في فترات الركود الإقتصادي وذلك بسبب الموجودات من السلع الغير مباعة والتي تسبب للشركات عبء مادي، مما يجعل من الشركات إعادة تشذيب التكاليف وتسريح العاملين ...
9. تقوم بعض الحكومات بعمل تضخم مقصود لإستهداف البطالة فينتج عنها التالي:


أ‌. يبالغ الباحث عن عمل في تقدير القيمة الحقيقية للأجور المالية التي تعرض عليه.
ب‌. يتعلم الناس من هذه الحيلة، لذلك في الدول المتقدمة يراقب الناس التضخم ويتمسكوا بوظائفهم.
ت‌. عندما تقوم الحكومة بعمل تضخم عن طريق الحافز المالي والنقدي، وقررت التخفيف بعد ذلك ، بعد فترة ولو طويلة بعض الشيء، سيتوقف الإنفاق الكلي عن الزيادة وستبدأ المنتوجات أو الموجودات كما تسمى بالصعود ولن يتمكن المنتجون من البيع وبذلك (سينقلب السحر على الساحر) وستبدأ الشركات بتسريح العمال وبالتالي زيادة البطالة.
ث‌. تستطيع الحكومات التحكم في البطالة عندما تستطيع التحكم في نموها الإقتصادي.

بقرائة هذه المفاهيم وفهمها وإستيعاب مكنوناتها يخرجنا نوعا ما من الجدل حول المشكلة الحقيقة التي يقع فيها الكثير من الناس حول إدراك النمو الإقتصادي ومشاكل المجتمع، بطريقة أخرى المشكلة في عمان وربما الخليج هو الزيادة في النمو مع وجود العوارض الأخرى كالتضخم والإنكماش و البطالة والفقر وغيرها ، ومن ثم يضيع تنفيذ هذا المال الجديد القادم من النمو عندما تمتليء حسابات الوزارات بالمال ويبدأ التخبط في الصرف أو إدارة تلك الموازنات. أقصد هنا مشكلة الزيادة في النمو الإقتصادي هو ما يسببه العامل الطردي لنفسيات أفراد المجتمع والتي تلاحظ الزيادة في النمو والإبقاء على الوضع.

قوارض المال العام والتي تسمى بالموازنات كالموازنة الرأسمالية، موازنة متكررة، موازنة مشاريع ، موازنة رواتب ... فواتير الأمن والدفاع .. المعونات والهبات والمساعدات .. كلها هذه تأخذ من المال العام ويتم التخطيط لصرفها مسبقا حسب قوانيين وزارة المالية ، وهي حسب علمي المعنية بإدارة الموازنات والصناديق الإستثمارية ... الفواتير المدفوعة من هذه الموازنات هي التي تثقل كاهلها، كحفلة طلابية وجوائز تكلف 3 ملايين ريال.

سأختم المقال بنقل خطة إستراتيجبة التنمية من موقع وزارة الإقتصاد (إستراتيجية التنمية - الأهداف الكلية للخطة الخمسية الخامسة (1996 - 2020)) وسأترك لكل قاريء الحق في التعليق على ما تم إنجازة حتى اليوم (أرجو النقد البناء فقد تحقق الكثير):


" التزمت منهجية أعداد الخطة ونماذجها بالتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله - بشأن الأولويات التي يتعين التركيز عليها خلال سنوات الخطة والتي تشمل العمل على وضع أولويات مدروسة وموضوعية للتوفيق بين الاحتياجات المتزايدة للمجتمع والموارد المتاحة المحدودة. وكذلك العمل على إيجاد التوازن بين الموارد والاستخدامات الحكومية .والتركيز على تنمية الموارد البشرية. وأخيرا تشجيع الادخار وإخضاع المشاريع الحكومية إلى المعايير الاقتصادية ودعم وتعزيز دور ومشاركة القطاع الخاص وتأكيد أهمية الاعتماد على الذات ونبذ الإتكالية.

واسترشادا بتلك التوجيهات السامية, وارتكازا على الرؤية المستقبلية ومحاورها وإستراتيجيتها, تمت صياغة الأهداف الكلية المستهدف تحقيقها خلال سنوات الخطة الخمسية بشكل يتماشى مع تحقيق الرؤية.

1. البدء في تحقيق التوازن بين الإيرادات والاستخدامات الحكومية وصولاً إلى توازن كامل بينهما في نهاية الخطة.
2. زيادة معدلات إنتاج النفط الخام لتصل إلى نحو 880 ألف برميل يومياً في المتوسط خلال سنوات الخطة مع عدم المساس بالمتطلبات الفنية الموضوعة لإطالة العمر الافتراضي للنفط قدر الإمكان.
3. تحقيق معدل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية يقدر بنحو (4.6 %) في المتوسط وذلك لضمان استقرار دخل الفرد عند مستواه الحالي كحد أدنى.
4. تنويع مصادر الدخل القومي بالعمل على رفع حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو (68.8 %) بنهاية عام 2000 م.
5. تشجيع الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية ورفع حصة استثمارات القطاع الخاص من إجمالي استثمارات الخطة إلى نحو (53.3 %) لتدعيم فرص نجاح إستراتيجية التنمية المرتكزة على نشاط القطاع الخاص.
6. اتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة لتنمية وتطوير المشاريع المرتبطة بالغاز الطبيعي.
7. تنفيذ برامج تخصيص المشاريع الخدمية وفق السياسات والضوابط الموضوعة بشأنها.
8. الحد من الضغوط التضخمية خلال سنوات الخطة، والعمل على إن لا يزيد معدل التضخم السنوي عن (1.0% ) في المتوسط.
9. إبلاء أهمية خاصة لتنمية الموارد البشرية من خلال توفير الموارد اللازمة للبدء في تنفيذ التوجيهات المعتمدة بهذا الخصوص.
10. رفع نسبة مشاركة العمالة الوطنية في سوق العمل من خلال اعتماد مجموعة من السياسات والبرامج لتحقيق هذا الهدف .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة لأخي بدر العبري …

فوهة المدفع والبارود .... كلمة حق

القيم التي تعيش عليها الحياة الزوجية