رسالة لأخي بدر العبري …

رسالة لأخي بدر العبري بعد التحيه ، 

،… لا أخفيك أنه في حج ١٤٤٣ ، جاء ذكرك في حديث مع أحد الأخوة ، فقلت له لا أعرفه ولم أقرأ له … ولكن الأقدار تدفع بعضها ، فقد زرت روازن يوم الخميس وكان في يدي مجلد آلام العقل الغربي لريتشارد تارناس ، وقبل أن أدفع للمجلد لمحت كتابك ، لاهوت الرحمة (في ضوء الفردانية …) ، فتذكرت النقاش وربطت الاسماء ،فاشتريت الكتاب طمعا في المعرفة وحبا في الفهم، وبدأت أقرأه فرأيتني اترك ألآم العقل الغربي ، لأجد نفسي أقرأ لك تحاول جاهدا انعاش العقل العالمي.

 أكملت قرأته في ثلاث أيام وكنت حقيقة أتركه متعمدا كي أهضم الكلمات المرسومه بحرفية عالية ساعيا الى فهم ما تنطوي عليه الكثير من الأفكار الساعية الى لم شمل البشرية بفهم الفردانية والهُوية ، تاركة الانسنة كعمود فقري يشكل قاعدة الانتماءات البشرية ، ثم عرفت أنك من رواد المعهد الشرعي وعرفت ان فهمك للظرفية القرآنية ربما يتعارض والمنهج هناك! وعرفت أنك قاريء نهم ومشاربك كثيرة، فهذا ما نبحث عنه وكتبهم هيه التي نقرأها … 

. ومع فهم بعض نصوصك وما اقتبسته في كتابك من مقالاتك ومعرفة مصادر 
كتابك بالتنصيص تارة الذي اتبعت فيه اسلوب الباحث الأكاديمي وابتعادك عن النثريات وبعثرة الكلام وبالإشارة والتصرف تارة أخرى مما مزجت الأفكار لتصب في صالح الخاتمة، مع كل هذا تمنيت ولو لم تزج ببعض ما أعتقد انها جدليات ويعتقد البعض انها تماهي وتنازل في سفرك هذا فأظن وبقلمك المشحون بالمعرفة أحوج الى صفاء ذهن لا يشتته الكثير من النقد، فالكثير منه مزعج جدا ! بيد، أنك تحاول بمحاور الأفكار ترسيخ ثوابت لتوازن بشري، ولكنها للأسف ، أكثر الأحيان ، ترفع حدة الطيش ، عند كل مغرور بفكرته ، فالأفكار المتعارضة المتصادمة تكون معزولة لأنها تستفز المذاهب والأيدلوجيات المختلفة، وقلة هم الشجعان الذي يقصدونها ، وأظن أن كتابك فاض بما فيه من محتوى بالكثير من هذا ، مع فرضك لضرورات التوافق من أجل العدل والمساواة وقبول الاخر والتوازن الذي يجعل من العالم قوم يونس، بعد أن نفعهم إيمانهم! ولا يشق عليك غبار انك حالما لفك آلام الإنسانية من عنصريتها وزيغها عن فطرة الرحمة و يتناحرون وترفع السيوف بالالسن وبالشتائم يتسابقون لمحوا الأخر وتسفيه أحلامه وبتر تاريخة ، ولا زالوا مختلفين حتى تقوم الساعة، ولعمري أن الصراع قديم ومناهج محوا الأخر بين الإيدلوجيات الواحدة متناحره فما بالك بالمختلفة منها، وأكثر أفكار الحداثة اليوم سبب في تعمق الصراع أو نشوء صراع جديد لأنها تتصادم مع أكثر الايدولوجيات الدينية وخرجت من مشكاة فوضى الفلاسفة وعلماء الاجتماع والانثربولوجين من إفلاطون الى فريزر و سيغموند فرويد وغيرهم من الملاحدة ، وما بني على باطل فهوه باطل، وليتها خرجت من حق يقبله الجميع! 

 وكي لا أشق على نفسي وعليك كثيرا بتتبع جميل قلمك أو نقد ما استفزني من أفكار، سأترك أثر كتابك في نفسي ولكني أحببت أن ألفت نظرك لبعض المفاهيم والتي أعتقد أنها سقطت سهوا او عندك ما يبررها ، أولها، أن الصوفية لم تكن إمتدادا للغنوصية فلا يمكن وصف ابن عربي مثلا بأنه غنوصي، فتعاليم الغنوصية أو العرفانية وإن كانت تتقاطع مع الديانات ومذاهبها إلا أنها تشكل أساسا لإنحراف خطير - كما يعتقد أصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية - وعلي كل حال فهي مشتتة الأفكار تعني بالوجودية ولربما كانت سببا في ظهور المانوية والمندائية مما جعلها في اضمحلال متسارع مع الجدل القائم حول بقاء بعض أفكارها ، أما الصوفية فهي حالة من النشوة الروحانية الخاصة ، وان تلاقت بعض المفاهيم كما عند ابن عربي والحلاج في مفهوم الفيض والتجليات الذاتية، بقت الصوفية ملتصقة بدين ولا تشذ عنه وستجد هذا في كتاب لعالم الصوفية الشهير ولتر ستيس بعنوان تعاليم الصوفيين. 

 أما اللمحة الثانية والأخيرة فهي ربما في جدلية الديانات الإبراهيمية ، فمحاولاتك لا تخلوا من توفيق لتقريب وجهات النظر تاركا خلفك الكثير من الخلاف المحتدم في ذلك ، وحقيقة لا يسعني في بتر الأفكار وأسس المفاهيم لكلا الطرفين ،ولكني أنازع بشده في قبول هذه التسمية في محافل التقريب بين الديانات وتسهيل الشرائع الدينية التي حرفها منتسبوها واستهانوا بدين إبراهيم ولم يكن لاهوت ولا ناسوت إبراهيم مهما في تحريف شرائعهم حتى لم يبقى منها شيء من دين إبراهيم الحنفي أو الإسلامي كما وصفتهم - فلا أظن هؤلاء من يستحق أن نكون معهم و نستظل بظل إبراهيم ونحتمي بردائه في سبيل تخفيف الفروقات وتضييق المسافات، وللنظر في سبل أخرى لذلك.

 أخيرا وأختم أن التركيب الجسدي للإنسان والحاجة الملحة للرحمة والعدل والمساواة والصحة والمعرفة العلمية خير سبيل للم شمل الإنسانية جمعا، وقل كل يعمل على شاكلته، و كان بارزا في كتابك ولكن تنازعته أفكارك الأخرى فلا تخرج منه حتى تعود إليه، ولعلي أجد أن أفضل ما قيل قول الملك الديان (لكم دينكم ولي دين) لخير سبيل في توجيه الطاقات والعقول الناضجة وتوجيهها لنفع البشرية وتخفيف المعاناة لما عمقته نقاش الصراعات والخلافات في الاهوت والناسوت، واستبد الناس بآرائهم فلاهم أبقوا على الخلاف ولا هم رقعوه ، فمزق بعضهم البعض بألسنة وسيوف حداد. تقبل مني هذه الكلمات وأسأل الله لك التوفيق دائما.

 أخوك محسن بن أحمد الغريبي النزوي
 ٤ محرم ١٤٤٥ الموافق ب٢٢ يوليو ٢٠٢٣.

تعليقات

‏قال محمد بوشيخي
شهادة مستحقة في شخص السيد بدر العبري تعكس ثقافة الاعتراف وقيمة التقدير للصداقة الصادقة..!!

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فوهة المدفع والبارود .... كلمة حق

القيم التي تعيش عليها الحياة الزوجية