من يُسفه أحلام الإصلاح؟
إن الهواجس الأمنية التي تهز الشرق الأوسط والإنتفاظات التي تدك أركان الكثير من الأنظمة المستبدة التي تحكمها الأجهزة الأمنية وخيار الشعب في الحياة الذي هُمش ليكون أخر زوايا المنظومة الإدارية لتلك الحكومات ، ومرض العظمة والملك الذي يقض مضجع هؤلاء الحكام والحفاظ على توريث الحكم أقوى مبررا لقمع الحريات وأكبر هما من مصلحة الوطن والناس.
والفارق بين تلك السيناريوهات وعمان هو أنه لا أجهزة أمنية قمعية ولا حكم مستبد ولا حاكم يسرق ثروات الشعب ولا شعب يكره الحاكم ، هي فقط مطالب وأخطاء تراكمت وتتراكم يوما بعد يوم إن وعتها الحكومة وحققتها كسبت شعبها ، وإن عاكست هذه المطالب والإرادة إنقلبت على أعقابها.
لا أدري حقيقة من يدرس الخيارات أم أن عمان بعد أربعين عاما خلت من كفاءات ، وإن كان الأخير هو السبب فإذن هناك فشلين، فشل في بناء قادة وفشل أخر في تعليم يخرج رجالا ونساء ذات تركيبة فكرية وثقافية رصينة إعتمد بنائهم على أساس القوة التربوية والتعليمية وفهم المنظومة السياسية التي عليها الحاكم.
تحركت الكراسي لتبقي الشيوخ والتجار لنعيد الكرة ولتتابع الإخفاقات , لا يهمني كم سنخسر لو هُمش التجار الذي يتحكمون في إقتصاد البلد ، ولا يهمني لو سخط أولاد العلامة وأولاد الشيخ وأولاد المكرم وأولاد علية القوم ، لأنه أولا وأخيرا همُ وطن وهمُ شعب بإكمله.
عجائب ما نرى أن يبقى هؤلاء على مربع الشطرنج في جانب واحد تدفعهم مؤثرات المواريث ، أقول لهم اليوم أن هناك بشر يسكن الأرض أجدر وأقدر على تولي المسؤولية ولن أكون أكثر صراحة من اليوم فما يحدث من مسيرات وإعتصامات في مسقط وعنف في صحار وظفار لخير دليل على فشل هؤلاء في كراسيهم الأولى ، فلن يفلحوا في كراسيهم الجديدة ، فمن تربى على بريستيج الحكومات والمؤسسات المدنية وأسس له شركات وعقارات وأموال كثيرة من منصبه، فلن يكون قادرا على قيادة الدفة في أي قطاع كان، فلا بد من تغير ثقافة المؤسسات الحكومية كي تخرج قادة مؤهلين لقيادة القطاعات، فلا زالت ترضخ تحت البريستيج البيوقراطي.
سألني أحدهم ما الذي يحدث في صحار ، قلت له مباشرة أن الوضع المتوتر في المنطقة كان الشرارة التي ستشعل فتيل المشاكل في عمان وخاصة شمال الباطنة ، فقد سكنت فيها سنتين وعملت في أحد الشركات التابعة لشركة نفط عمان للمصافي والبتروكيميائيات وكنت قريبا جدا من جيراني لتواصلي معهم في المسجد خلال أوقات الصلوات ، عرفت شبابهم وعرفت الكثير من حاجاتهم ، وكنت أحيانا عضوا في الشركة في لجان التوظيف وسمعت حاجاتهم ومطالبهم .. يقول لي أحدهم سأنظف الحمامات بس إقبلني للوظيفة ، وأخر "أرجوك أخي حالتي صعبه أريد الوظيفة" وهناك الكثير من النداءات التي أسمعها يوميا خلال سنتين من أهالي الباطنة ... حتى أن طبيبا في مستشفى صحار لما عرف أني من نزوى أطلقها كالشرارة وقال لي بالحرف الواحد " أبناء الباطنة بطالة وأنت جاي من نزوى تشتغل هنا ..." المرض حال بيني وبين ضربه! فقلت له نحن أبناء وطن واحد .... اليوم أعذره مع يقيني بأن الحال واحد ولكنه عدو ما جهل .. !
أما الأعجب أن أحدهم يطلب تنفيذ حالة طواريء في صحار لقمع المتظاهرين وكأنه لا يعي ما يدور حوله ، يريد أن يشعل شرارة أخرى تحرق الأخضر واليابس ، والله أخي لو أعلنت حالة الطواريء فلن تفلت عمان من الشعب ، والمجتمع الدولي اليوم يبحث عن غرزات يطعن بها كياننا ، وكم نعلم مواقف قائدنا العظيم من إيران وإسرائيل ، وسترى كيف ستأخذ الأمور أثقالا مع أثقالنا لا يطيقها شعب مسالم.
الأولى أن تسمعي يا حكومة وأن تعي بأن من سماهم إعلامنا بالمجموعة الإحتجاجية إن قُمعوا اليوم سيثورن غدا [لن يُجدي نفعا، وهذه دروس حيه من واقع إقليمي قريب جدا وتبدء من البطًالة والفقراء وخيرا أن نسميهم متظاهرين غاضبين من أن نكنيهم بالمجموعة الإحتجاجية] ، والأولى أن نترك أثرا طيبا وسمعة كريمة خيرا من أن يرمى أحدا في الصفحة السوداء من التاريخ ، كان فردا من شعب شغبَ وكسر وحرق لأنه بطًال أو فرد من حكومة سفه أحلام هذا المُطالب.
تعليقات
سبحان الله لا يفقه المحتوى الا بعد حث ما بين السطور ولا يفهم المغزى الا بعد انهاء قراءة المكتوب
قرأت ما بعد
(والملك الذي يقض مضجع هؤلاء الحكام والحفاظ على توريث الحكم أقوى مبررا لقمع الحريات وأكبر هما من مصلحة الوطن والناس.) ففقهت المحتوى وادركت المغزى.
اشكرك اخي على الموضوع النيير والرائع واغبطك وفن الكتابة, ما شاء الله عليك
تحياتي