أخي الفقير وأخي الغني .. [عيد ميلاد]
رفع أخي الفقير نظره إلى السماء بعد إن استيقظ فزعا من منامه ، فرآها سوداء قاتمة وفيها نجوم تتلألأ كالمصابيح ، ينظر إلى عددها وكأنها لحظات أيامه القادمة ، بعضها مشع وبعضها خافت جدا كسراج بدء وقود فتيله ينفذ ، كان حينها يومه الأول في ربيعه العاشر، كان ينظر إلى السماء من خلال فتحة كبيرة في سقف الغرفة لم يستطع والده ترميمها ، وهو في غرفة النوم ذات النصف سقف والمزدحمة بالأخوة العشرة وأغراض نصفها معلق والنصف الأخر موضوع في الرَّوْزَنات، (جمع الرَّوْزَن، وهو مكان داخل الجدار) ، في كل لحظة كان يرفع عن جسده رجل أخيه الأصغر السابت في نوم عميق جدا ويسمع شخير أخيه الأخر لوجود لحمية في أنفه وقد أعطي موعد في مستشفى حكومي لاجراء عملية له بعد ثمانية أشهر، أما الوالدين فكانت لهم غرفة أخرى تفصلها صالة كأنها ممر في حانوت ، وفيها التلفاز القديم وسجادة ووسادتين وهناك في الطرف الأخر من الممر شروني (دورة مياة من النوع القديم) ، له ثلاثة أخوة وستة أخوات أربع منهن أكبر منه وهو أكبر الأولاد ، كانوا كلهم يتزاحمون في غرفة واحدة ، إلا أيام المطر فقد كان لا بد لهم من مشاركة والديهم السرير والغرفة ، إلتقيت به في صباح اليوم التالي وهو ينتعل نعال بفردتين أحدهما أصغر عن الأخرى وكمة لا يعرف لون نقشها ودشداشة ملتصقة من الظهر وتغطي نصف ساقيه والنصف الأخر عاري يظهر عليهما الجزم (جفاف شديد يصيب القدمين بسبب الأتربة والجفاف) ينتشر من القدم وحتى ربع الساق ، سألته كيف كانت ليلتك أخي؟ قال لي لم أستطع النوم أخي الكبير لقد راودني حلم مزعج بقيت على أثره طوال الليل مستيقظا ، لقد رأيت والدي في المنام يقول لي اعتني بأخوتك ، قلت وفي خلجات نفسي ولعلمي بأن والده يعاني من مرض عضال وكان لا بد من تسفيره للخارج قبل فوات الأوان ، قلت لعل أجل الله قريب ، ولكني طبطبت عليه وقلت له أضغاث أحلام يا أخي فلا تكترث لها ، وأخذته لأقرب محل لبيع الكماليات واشتريت له نعال أخر ليرجع الفردة الأخرى من النعال لأخية الأصغر واشتريت له بعض الحلويات فقد كان الأمس الفائت عيد ميلاده العاشر.
صعودا الى الشمال الغربي من المدينة وفي الطرف الأخر من الحي الراقي كان هناك أخي الغني وهو في التاسعة من عمره ولم يبقى له إلا يومين ليكمل التسع سنوات ويبدأ مشوار العاشرة ، كان في غاية الحيرة و الإندماج في تأمل العمل الدؤوب إستعدادا لحفل كبير وهو حفل عيد ميلاده التاسع ، كانت الحيرة التي يبددها الإندماج لهذه الضجة ولأمه المنهمكة في التفاصيل وإختيار ملابس تليق به في هكذا مناسبات وحذاء من أغلى الماركات الإيطالية وتسريحة شعر سيأتي حلاق خاص قصها له والتي تشبه ماتريكس وروائح وعطور من تشانيل و كريستال ديور، فقد كان من طبقة النبلاء ، ولم يكن له بد من أن يسعى دائما للظهور بمظهر النبيل ويسمع لأوامر أمه العسكريه ، جلوسه بقانون ومشيه بقانون ورفع رأسه بقانون حتى دخوله الحمام وتنظيف أنفه له قانون ، لم يكن والده قريبا جدا فقد كان في مهمة رسمية من الحكومة لحضور مؤتمر في اليابان ولم يكن له أن يعتذر بسبب حفلة ابنه والذي يتكرر في كل عام ثلاث مرات لثلاثة أبناء وكيف له الاعتذار وهو في صحبة جناب عالي المقام ، وجل ثروته هبات وعطايا على إنجازاته في الحكومة ، كان إبني وأمه مدعوان لليوم الثاني وهو يوم لأبناء صغار موظفين شركات والده و بعض الأصدقاء البعيدين الذين لم يحضروا في اليوم الأول ، فاليوم الأول كان إرستقراطي وحدد مدعوه ببطاقات وزعت داخل أكواب كريستاليه وحضره أبناء وأمهات هذه الطبقة ، لم تحضر أمه أخي الغني في اليوم الثاني بل كانت العاملات يقمن بالواجب إلا أنه كان متواجدا بعيدا منزويا ينتظر الحضور المغادرة ، كانت التجهيزات إحترافية ، ملابس تنكرية وعروض الساحر وبهلواني يمتع الأطفال ، وكعكتين ليومين متتاليين ، تم تحضيرهما في إيطاليا وعليه صورته وتسع شمعات ملفوفات بقصدير من الفضة ، أما عن القاعة الضخمة التي يستقبل فيها الضيوف فقد كانت على جانبيها من اليمين طاولات من الخشب الميراندي فيها ما لذ وطاب من الطعام والعصائر الطازجة وكراسي لوزانا الفخمة جدا المتقابلة ، وفي الطرف الأخر قاعة كبيرة يلعب فيها الأطفال بمختلف الهدايا التي أعطيت لهم ، بدء بالنفافيخ التي طبعت عليها صورته وحتى سيارات كهربائية تغني (هابيباي زي تو يوووو يا نونو ...) ونونو اسم الدلع لأخي الغني ، وقد تم تصنيع هذه السيارات خصيصا لهذا الحفل ، كان الجميع يحاول التحاور معه إلا أنه كان لا يبدي أي من الاكتراث لذلك الزخم وتلك العبارات التي تتودد بها أمهات أبناء الطبقة الثانية له عله يوصلها الى أبيه أو أمه ، أما البعض فحسبه مريضا أو إنطوائي أو متوحد ، حينما ذهبت لأخذ زوجي وإبني ، طلبت أن أكلمه لأقول له كل سنة وأنت طيب يا محمد ، فخرج إلي وعليه مظهر النبل ونظرات الحزن ، فقلت له ما بالك غير سعيد وأنت تحتفل بعيدك التاسع ، قال أمي لم تحضر اليوم وأبي في سفره الطويل ، قلت له ولكن كل الأطفال معك ، قال لا أعرف كيف ألعب أو أتحدث معهم ، فأنا لا أعرف بماذا هم يلعبون أوعن ماذا يتكلمون!
تعليقات