غربلة السياسات

تابعت انتخابات أوباما وحملته المليارية لقيادة أمريكا عن كثب وكان رهانا على فوزة بيني وبين بعض الأخوة مستندا على زميل العمل الأمريكي الذي يقول أن أوباما سيفوز بأغلبية ساحقة! ... كنت حينها راغبا في شيء من التغير اتجاه الشرق الأوسط والمسلمين لما يحمله في نسبه شيئا من الإرث المسلم ، المهم ان أوباما فاز وتحدث الشعب الإمريكي والعالم أجمع عن سياسته الإقتصادية في الداخل وسياسة حكومته إتجاه العالم و الشرق الأوسط خاصة ، وكان أملي به قد خاب بعد حديثه أمام يهود أمريكا (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية الـ”إيباك”) .. لأن السياسات الخارجية الامريكية تقود الرئيس وحكومته وليس العكس!

وأثناء تشكيل حكومته الجديدة قام أوباما بإخراج فلاسفة وعلماء الإقتصاد والمال الرأسماليين كي يغربلوا له السياسات الداخلية القديمة التي إنتهجتها الحكومة الجمهورية المنصرمة بقيادة أغبى رئيس دولة في العالم الحديث ... كانت معظمها سياسات 'أين بحيرات النفط؟' موجودة كي نحتلها! فكرزاي مستشار في أحد شركات النفط أحسبها شيفرون ، كما كانت كالدونيزا رايز مستشارة اخرى في شركات نفط تكساس وشركة هاليبرتون ممولت الحرب الإمريكية على العراق! وحكومة العراق من المعارضين المهجرين المنفين وبعضهم عملوا في الشركات الأمريكية، سياسات خارجية أخذت إمريكا وتركتها على المحك.

على كل حال ، الأمريكين في مطالبهم من التغيير لم تكن تعنيهم كثيرا سياسات بلادهم الخارجية مع توجه ناخبي ساوث كالورني الى التوجة الاثيني لناخبهم الأسود! بل أنهم كانوا ينظرون للتغير في صميم السياسات الإقتصادية والمالية الداخلية ويعلمون يقينا أنها هي التي لا بد من غربلتها ، ما جعل أمة بإكملها تقف موقف واحد لحماية هذا التغيير وغربلة السياسات الداخلية.

تجارب الأخرين ونتائج تاريخهم لا بد أن تكون دروسا لنا ولا بد أن تكون عبرة نأخذ منها ما يساندنا في مهمة التغيير هذه التي قادها بكل صورالعظمة قائد بلادنا حفظه الله بمعيت شباب وطنه .... ولكن ينقصها الأهم!

التجربة الحقيقة والتغيير الحقيقي ليس في تغيير الوجوه والصور وإنما غربلة حقيقة لسياسات قديمة لم يُجَرب غيرها ولم يأتي أحدا ممن تعاقب على المؤسسات الحكومية بجديد إلا وكانت مصلحته مقدمة على مصلحة الوطن ، وكان نفاقه لاصحاب السلطة من هم دون السلطان مباشرة مقدما على أي عملا يقوم به ... لأن السياسات العامة كانت هكذا!

الخارجية سياسة واضحة وعمل متقن كبير وعلى رأسها محنك قدير ، فلماذا سياساتنا المالية والإعلامية والمدنية والتعليمية والدينية تتقاذفها أفكار وزرائها الخاوين من أي فكر والذي يدينون اليوم للشعب بإعتذار عن تخبطهم وتباطئهم في خدمة الوطن ، إنها السياسات!

غربلها أيها السلطان ، ودعوة مني صادقة أن تبدأ بسياسات المال العام ، أوقف حسابات الهدايا والعطايا ، أوقف أعياد النهضة التي تثقل كاهل الدولة ، أوقف مشاريع الديوان كمشروع الأوبرا وحوله الى أكبر قاعة مؤتمرات عالمية في العالم ، أوقف المكرمات وضعها ترقيات وعلاوات ، غير سياسات البنوك العتيقة القديمة الربوية الرأسمالية التي تثقل كاهل المواطن، الموظف والتجار على حد سواء ، غير مستشاريك الماليين وجرب خبراء سياسات الإقتصاد الإسلامي المتجدد، فهو الأنفع بشهادة الغرب أنفسهم، فالحلول قرأنية.

ثم غربل التعليم ، واترك مجال للدين كي يخرج لك جيل يحب وطنه وأرضه ، فالثقافة الدينية تضمن لك عقول مدبرة ورجال غير مخمورين ولا مديونين ولا سكارى مخدرات أو مدمني خمور! الثقافة الإسلامية ستغربل لك الجيل الذين من سبقوهم في الشوارع والأسواق، الى جيل منتج يضع نصب عينية رضا الله فيرضيك ويرضي وطنه ومن حوله .. فالدين ليس حكرا على أحد، وعلى من يتبع سياستك الجديدة في التعليم أن يكون هدفه جيل باحث ، جيل يخرج من الصف الأخير عارف أين سيذهب لا تائه يبحث عن من يرشده وجلهم لا يجدون ... والكثيرين منا يعرف رزانة المتدينين وحبهم للعمل والعلم.

ثم غربل سياسة الشؤون الدينية وأرجع دور المساجد والأئمة والخطباء ، ستجد رجال يمشون والأمانة تلامس شغاف قلوبهم ، واختر منهم من شئت وضعه حيث تشاء وترغب ، ستجده صابر محتسب أمام المال مجتهد لانجاز مسؤلياته ، عارفا فاهما لك ولسياستك ...

التعليم العالي والبحث العلمي غربله لينال نصيبا وافرا من الأهمية ولتخرج زمرة المتحاذقين من هذه المؤسسة ، تريد أيادي التجريب والعمل لا البريستيج والدندنة.


الإعلام والتطبيل على إنجازات الشوارع والبيوت الشعبية والمهرجانات والسياحة في بلادي! اترك الإعلام الحر يأخذ وقته وقننه بما يتناسب وثقافتنا وديننا ، سيرى الجميع إرثنا وثقافتنا لنكون أمة المليونين التي يفتخر بها مليارات العالم ، يصنع الإعلام من إرثنا صورة مشرقة ويخرج صحافة تعينك على التغير وتحديد بؤر الفساد وتفضح الذي تخول له نفسه التمصل من القانون والخيانة.

غربل الأمن القومي ، واجعل هيبة الدولة فيها لا هيبة رجل الأمن نفسه! وليكن نصب عيونهم راحتنا وأمننا والذد عن حياض وطننا وأرضنا ... لا أن يكون الأمن لترويع الكلمة الحرة والمطالب المشروعة والتزمير لمن يخون أرضه وناسه وسلطانه!


الحقيقة الغائبة أن تغيير الصور والوجوه دون السياسات لن ينفع كثيرا وسنكون كما قال الله فيهم .. كل ما جاءت أمة لعنة أختها ...

وأسأل الله سلامة القول والعمل ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة لأخي بدر العبري …

فوهة المدفع والبارود .... كلمة حق

القيم التي تعيش عليها الحياة الزوجية