اجلسوا على طاولة واحدة ... السياحة :: الأوقاف :: البلديات :: البيئة :: ومطالبات أهالي خور جارما
بسم الله الرحمن الرحيم
*
*
*
لم يكن غريبا عندي عندما أخبرني مدير مشروع أمريكي أنه غيًر مسار أبراج لحمل هوائيات اتصالات كان قد بدء تنفيذه لخدمة سكان أحد المناطق القريبة من الغابة الجبلية الذي ينفذ فيها المشروع ، فقد كان سبب تغيير المسار أنه بعد يومين من تركيب أحد الأبراج وجد أحد النسور الذهبية (Golden Eagle) والتي تعتبر رمزا وشعارا محمي بموجب مليون حق ، بيئي و تراثي و حياتي وسياسي وغيرها .. وجد هذا النسر قد أخذ قراره بوضع عشه وبيضه في هذا الحاظن الهوائي الظخم!!! فقد تكلف على مدير المشروع دفع مئات الألاف للخروج من أزمة ربما ستوقف المشروع أو حتى تفقده عمله !!! قلت له حتى معنا في عمان نفس الحقوق تعطى للشجر والحجر ... لا يمكن أن تقطع شجرة لرصف طريق!!! قال: (Wow .. Strong green peace!) !! وفي مخيلتي تلك الشجرة العملاقة التي بجنب سكني والتي بين ليلة وضحاها أصبحت لا شيء وذلك لرصف شارع بالزفت! ... مع أن الشجرة أمام منزلين متقابلين وهناك أكثر من 30 متر يمكن استغلاله لرصف الشارع وترك تلك الشجرة العملاقة يستظل تحتها الأنس والجن ، إن صح التعبير ... لا أدري أين كانت وزارة البيئة لحماية الشجرة والبلديات لإيجاد ظل والسياحة لتوسيع الرقعة الخضراء لجلب سياح أكثر وأين وزارة الأوقاف لتفتي في إثم قص الأشجار ... أين هؤلاء من تلك الجريمة الشنيعة ....
قصتي عندما قررت إستغلال الأيام الجميلة من إجازة محرم الذي تقرر أن يكون أول محرم هو أول أيام الإجازة ، وبعد رصد الفلكيين ولجنة رؤية الهلال تبين أن أول محرم هو يوم الثلاثاء الموافق ل7 ديسمبر 2010 ، وليس الأربعاء! (ولله الحمد) ... فقد توجهت أنا وأهلي الى صور ومنها الى رأس الحد ورأس الجنز لرؤية السلاحف والذي يعد الموقع هذا الأخير أحد المواقع العالمية المحمية ، للجوء أفواج السلاحف لتبيض فيها ومن ثم تعود لموطنها وبعد أشهر ترجع الصغار لموطن الأم .. يسألني إبني كيف تعود لموطن أمها وهي كانت بيضا قبل أن تضعها تحت الرمل : قلت له شريحة (miro sim ركبها الله في عقلها بها خارطة العودة ، ربما! .. وربما هدي إلآهي دون تلك الشريحة فهو القادر على كل شيء).
أخذت طريق مسقط - قريات – صور الجديد ... إبداع ومشاريع طرق تعجز اللسان عن وصفه ، ربط غير مكتمل حتى الأن ولكن المكتمل منه وخاصة قريات - صور إبداع ومشاريع كبيرة و مناظر بيئية خلابة بكر ومناخ بارد معتدل جميل جدا ...
قبل كل شيء ، أسأل الجميع ما هي حاجتك كسائح مسلم ؟ مسجد ، دورات مياه بها خصوصية نسائية ، أماكن إستجمام وظل ... لا أكثر ولا أقل؟
واجهت الكثير من الصعوبات خلال تجولي في رأس الحد والخيران المُجانبة لهذه المنطقة الرائعة ... والتي عطلت ذهابي وأبنائي الى رأس الجنز والصعوبات التي واجهتها (أتحمل جزء من المسؤلية) ، مع التجربة الغريبة والمغامرة الرائعة.
جلبت أرقام الهواتف (96550707 - 996550606) لحجز تذاكر مشاهدة السلاحف في رأس الجنز ولكن اخبرني احدهم أنه لا بد أن أذهب لأخذ التذاكر كي لا يلغى علي الحجز وتلك بداية القصة المثيرة ، مع أن الرجل الذي حادثني قال لي تعال الساعة الثامنة لأخذ التذاكر ، ولكني للإطمئنان والتجوال في رأس الحد والخيران والمواقع المحيطة به ذهبت باكرا جدا ...
ذهبت لرأس الجنز وموقع البحث العلمي كما يسمى ,, وهو خمسة نجوم فندق مع 12 غرفة ومطعم ، فوزارة السياحة لا تستقبل ظيوف أقل من 5 ستار في مبانيها وشاليهاتها السياحية .. ويكلف هذا الفندق أو المركز للعماني مع عائلته وعاملة كحالتي 135 ريال لليلة الواحدة وللأجنبي أكثر من 200 ريال على ما اظن .. وهذا الذي كنت أتهور فيه وأفعله لولا لطف الله وتعقلي (فليس هناك حاجة لفعل ذلك فالمركز سيجبرك أن تتسوق وتأكل وتشرب وتشتري منه مع جولتين لرؤية السلاحف أحدهم الساعة الثالثة والنصف فجرا ... وصور تبعد تقريبا 20 دقيقة بالسيارة والشارع مرصوف وآمن. )
أخبرني الهندي الجنسية الذي يستقبل السياح في محمية عمانية (مع أن خريجي كلية السياحة يعملون منسقين ومحاسبيين في الدوائر الحكومية والشركات) بأن الحجز باقي وليس علي سوى أن أحضر الساعة الثامنة والنصف ليلا (فهو موعد ظهور السلاحف في المحمية) ، شكرته بعد ان إنتظرت أجانب أروبيين يعملون check-out ويحدثهم كأنه إبن بلد!) ...
ذهبت لرأس الحد وجمال الطبيعة يأسرني ، لجأنا لمسجد للتجديد والصلاة والحضانة والراحة والإستلقاء وبقي الأكل .. فقلنا لا بد أن نشتري الأكل ونذهب الى أي مكان للغداء ، المسجد أدى أكثر من دوره! .. مطعم يمني أخذنا منه الغداء ، ولا يوجد لديه سوى سهوة فقط وغير طازجة على حسب ظني !! المطعم كي لا تنسون في رأس الحد الساحلية البحرية والتي الكثير من أهلها صيادين إن لم يكن كلهم ... (عجيب أمرك عمان .. أين سمكك ؟؟؟)..
وصلنا الى منتجع في أحد الخيران غرب رأس الحد وهي تبعد بعض الكيلو مترات رأينا كلب بوليسي عملاق وحارس لم يشاء أن يرد علي سوى بكلمات أنه باللحجز ولا يمكن الدخول (إبني يحدق بالكلب ويقول ، كلب مثل مال الرسوم! حال موه باه؟ .. قلت له : حال المشرديين أمثالنا ولدي!!) .. وأفواج السياح يتمرغون في المنتجع .. أخذت سيارتي الفورويل حيث لائحة كتب عليها ممنوع التخييم ورمي المخلفات ولم تكتب بالإنجليزي كعادتهم في أي مكان سياحي!!! .. جلسنا جانبا مع عائلة كانت قد سبقتنا هناك لا نعرفهم سوى أننا من نفس الحال والزمان والمكان !!! .. أكلنا غدائنا نستظل بنصف ظل تحت السيارة !!! فلم نجد من يأوي غرباء أمثالنا !!! .. ولكن المتعه وجمال الطبيعة الخلابة أسر عقولنا وأنسانا الظل والشلهات ...
إنتهينا من الغداء والإستمتاع بجمال البحر والخلجان وقفلنا راجعين الى صور كي نرتاح ونعود مرة أخرى لرأس الجنز لرؤية السلاحف .. ولكن شاء الرحمن أن نكون ظيوف ثقيلين لأكثر من 6 ساعات في أحد الخيران والتي تقع قبل التقاطع المؤدي الى رأس الجنز ورأس الحد .. هذا الخور يسمى خور جارام وهو خور كأنه بحيرة وفي وسطه جزيرة كبيرة بها حوش ضخم وقيل لي فيما بعد أن بها قصور أولاد الشيخ زايد أهداهم الأرض الكريم الجود السلطان قابوس (حفظه الله) وأهداها بالأخص محمد بن زايد! .... وبجانب الجزيرة كان ماكثا أو ماخرا أو باركا لا أدري ماذا أسميه يخت ظخم جميل قيل لي لشيخ من بني (.... لن أذكر أسمه عمدا كي لا يفهم خلاف ما قصدت ...).
كنا فعلا ضيوف ثقيلين بعد أن وقعت وسيارتي في حفرة من طين !!!
حاولت أن أخرج السيارة ، وقلت لأهلي إذهبي لذلك المسجد لطلب المساعدة .. فلم تجد وبدأت إبنتي تقول أنا السبب لأني قلت لأبي أن يأخذنا الى هذا المكان .. , لكن رأت زوجتي بيوتا وأناس قريبين فذهبت الى الأطفال تخبرهم بأن يخبروا أهلهم بأننا نريد المساعدة ، فقال لها الطفل سنخرككم ولكن بفلوس !!!!!
قبل أن تصل ابنتي وزوجتي رأيت رجل شيبة بسيارة فورويل كنت عارفا أنه لن يستطيع مساعدتي لصغرها .. والسيارة التي في الحفرة وزنها ما يزيد عن طنيين ونصف ... حاولنا مع السيارة الصغيرة وحبال جلبها معه ولكن لم نفلح فأتى رجل أخر ومعه بو شنب (كروزر بكب) .. قلت هنا مربط الفرس وحلال المشاكل ... نزل الرجل وبدء يريد المساعدة ولكنه بدء يقول شيء لم أفهمه فسألت الرجل ماذا هناك ، قال يريد فلوس .. قلت له سأعطيه ما يريد .. لكن يخرجني من هنا !!!
أتى رجال وأطفال أخرين، وهم من سكان المنطقة وكانوا بحق رجال في المساعدة وشد الحبال والجهد المخلص .. وعندما رأى الرجلين أصحاب السيارات أن أهلهم من أهل القرية إلتفوا على السيارة تراجعوا وقالوا لي : يبدوا أننا لن نستطيع إخراج السيارة ، فعرضت مالا جراء جهدهم فرفضوا أخذ الفلوس!! .. فسألني واحد ممن أتي فيما بعد: لماذا تعطيهم المال : قلت له إتفاق .. قال نعم !!!! إتفاق!!! وصار ظجيج بينهم وفهمت كلام كهذا .. " ... هؤلاء يفضحوننا .. قليلين المروءة .. وغيره من حديث إستهجان ... ")
على كل حال ، مع جهود الأهالي والإتصالات بالشرطة والسيارات الرافعة وبعد جهود دامت أكثر من 6 ساعات .. أخرجنا السيارة من الوحل .. ولن أنسى الطفل أحمد الذي أخذ أبنائي الى المسجد وجلب لهم تمر وفواكه وماء ...
خلاصة الحديث من هذه القصة ...
1. الأرض التي وقعت فيها هي إمتداد لشاطيء البحيرة وهي وحول طينية...
2. يوميا يقع السواح ، الأجانب خاصة (أصحاب مغامرة) ظحايا هذا الوحل ، والأهالي يطالبون بسياج ولوائح ، ولكن البلديات تقهر مطالباتهم بردود إستفزازية ، لكون المطالبين أهل بحر والبعض لا يجيد حتى القراءة وليس فيهم من علية القوم ...
3. السكان ظحايا مساعدات يوميه تقريبا فيمن يقع في هذا الوحل .. وقبلي بساعة ساعد الناس أحد السواح الخليجيين ...
4.خلال الست ساعات صرخنا لأكثر من 7 سيارات كادت أن تأتي الى الوحل ...
5.الشرطي يقول لي وبعد أن قلت له شكرا لكم .. أن وظيفته القلص !!! يوميا في هذه الأماكن.
6.المسجد الذي لجأ فيه أولادي ليس به ماء ودورات المياة (لا تسمى ولا توصف!!!).
المنطقة بأكملها وحتى رأس الحد .. تفتقر لأبسط خدمات السائح .. كمسجد نظيف (سوى ذلك الجامع داخل البلده) .. إرشادات وسياج حول المناطق الخطيرة .. مياه شرب ... حمامات ... أماكن للإستظلال ... شلهات مجانية .. منتجع منظم برسوم بسيطة ولساعات الإستجمام وليس للمبيت .... مطاعم ومقاهي صحيه ونظيفة .. لا شيء لا شيء لا شيء من هذا كله ..
وأكبر من ذلك .. الناس الذين يسكنون هذه البلدات لم توفر لهم الحكومة الكثير من الخدمات الأساسية كالماء الحكومي والصرف الصحي وتغطية الهاتف النقال والشوارع ، بل حتى يستحقون بيوت بمواصفات تعكس خلقهم ولطافتهم وإهتمامهم بالسائح ومن أي جنسية كان ... أناس بحق رائعون وأهل مروءة وتعاون ... أما أولئك الذين طلبوا مال فهذا من حقهم جزاء جهدهم ووقتهم (وقد دفعت 25 ريال للرافعة وكنت قد نويته وأكثر منه لأصحاب السيارات لولا أنهم إعتذروا بعد جهد لا بأس به .. ) .. ولن أعتب عليهم طلبهم للمال لكون مساعدتهم للناس أصبحت وظيفة يلجئون لها عندما يكون دور جهات الحكومة مغيب ومعدوم ويبقى شعارها كلام في اللوائح وشعارات في الإعلام وتطبيل في تطبيل.
رجعت الى مدينة صور ولم يرى أبنائي السلاحف ولا بيضها وصغارها وهم يبكون فوق رأسي (أنت لا تفي بوعدك وسيلغى الحجز وكلام كثير أحرجوني بسببه مع تفهمهم وتفهمي على ما أظن!! ووعدتهم بشراء حوض من السلاحف!) .. وأنا في قمة الإرهاق والتعب .. رجعت قافلا الى صور كي أبدء يوم جديد سياحي في هذه المدينة الكبيرة بتاريخها ... ولكن لم يكن الحال أفضل في هذه المدينة العريقة الطيب أهلها الرائعون حقا (ولي مواقف أشهد لهم عزتهم وخلقهم أهمها صاحب مغسلة السيارة مبارك وإعطائي سيارته كي أروح وأجي بها حتى يخلصوا من تغسيل سيارتي من وحل الطين الذي وقعت فيه .. كم هم كرماء) ...
الوضع سيئ جدا يا وزارة السياحة ، البلديات ، البيئة والأوقاف ، ... أوقفوا مهزلة السياحة واتركوا عنكم التطبيل لها ... صُور العملاقة الكبيرة العفية ،، بلد العيجة وقلهات ، !!!! الناس الذين يسكنون فيها يعانون فما بالكم بالسائح الغريب! .... مآسي التنظيم للسياحة .... ولن أخفي تعاون الكثير من السواح العمانيين وإهمالهم في رمي المخلفات في كل مكان ...
(سأضع بعض الصور لاحقا ... )
شكرا لكم قرأتكم .. وأتمنى تغيير ما ينبغي تغييره وإلا لن نسكت على التطبيل السياحي .. !
تعليقات
جزاك الله خيرا على هذا النقل الدقيق والممتع. وأحييك على مثابرتك وسعيك لإسعاد أهلك الكرام. عسى أن تصل رسالتك إلى المعنيين بالأمر وأن تجد لديهم صدى واضح وعمل إيجابي.
أخوك،
حمد العزري