بوح الروح في العصر ... دجاجة وسنارة أو شاة وتيس

.
.

نور الجمال قد تشعشع عندي بفضل شص وطعم وجلسة قرب نهر
فالشمس حانية تتوارى مودعة والروح تعلو، سامية ، بعدا عن هم وقهر
(إقتباس من رواية ليل نهار لسلوى بكر)
.
.
.

أحسبها - أديبه وكاتبه مغمورة ، أرسلت لي على إيميلي الخاص رواية (ليل نهار) لسلوى بكر ، نزلتها على هاتفي الشخصي من الإيميل مباشرة – تناسيتها لفترة - وبدءت أقرأ فيها نهاية الأسبوع الفائت ، رواية ممتعة جدا حتى أني نسيت موعدي فغفرت لمن وعدني ولم يفي بوعده – وتركني أسبح بين أحداث تلك الرواية العجيبة ، لساعة تقريبا أقرء وبهدوء وتأني كل كلمة حتى وصلت عند فرز المواضيع التي رصد لها زاهر كريم مليون جنيه والتي ستقدمها مجلة ليل نهار لقراءها الكرام - للرواية وكاتبتها فضل في ترجمة الأفكار التي سأتحدث عنها في هذا الطرح ، والتي ذكرت بعضها في طرحي السابق - عودة الدراخما – مع مجموعة المداخلات والتي فيها الكثير من الإستفهامات حول كيف يمكن أن يعيش المواطن إذا ما عصفت عواصف الإنهيارات الإقتصادية.

عند فرز الرسائل المشاركة في مسابقة المليون جنيه ، لفت إنتباه الراوية مجموعة من المواضيع الطريفة والمدمن أصحابها على المخدرات - حسب زعمها – والتي لا تخدم المجتمع بطريقة عصرية جديدة ، وأهمها رسالة كانت قد أعدتها لتضحك بها زاهر كريم – المليونير صاحب فكرة المسابقة وممولها - ، فموضوع المسابقة هو كتابة إقتراح يفيد المجتمع ويحسن من مستوى معيشة الفرد وينشر السعادة ، الرسالة المضحكة عنوانها سنارة ودجاجة ...

توقفت بعد أن قرأت الرسالة كاملة وبعدها صفحات .... وبدءت أفكر في أشياء كثيرة ...

أثناء قراءت الراوية – صحفية أُكل لها مهمة فرز رسائل المسابقة - أثناء قرأتها للرسالة ، كان زاهر كريم غارقا في أفكاره وخيالاتيه الميونيريه الكبيرة ، وفي أهدافه وطموحه من المسابقة ، حينها قال للصحفية ، كم عدد الرسائل التي جائت مشابهة لرسالة السنارة والدجاجة؟ فقالت كثير، ولكني فرزتهن لإستبعاد البعض ، فهناك أفكار كبيرة كبناء مستوصف صحي ومعهد ديني وغيرها من الأفكار والرسائل الرائعة التي لربما ستفوز أحدهن بالجائزة مع مجموعة من الأفكار و الرسائل الشخصية التي تتحدث عن كيف سيفعلون – أصحاب الرسائل - لو ما فازوا بالجائزة ...

عودة لموضوعي السابق - عودة الدراخما – والذي جاء سابقا لقراءتي لهذه الرواية الجميلة ، تحدثت فيه عن إنهيار الإقتصاد اليوناني ونتائجه ومن ثم أتبعته بمداخلة عن إنهيار الإقتصاد الأسباني ...

الرائع في الموضوع أن كل المداخلات إستفهمت ما كنت أريد إستفهامه والجميع تقريبا فهم الفكرة العامة من الموضوع ، الجميع سأل أو داخل ، بأنه لو عصفت تلك الإنهيارات الإقتصادية بإقتصاد بلدنا وهو لا شك يشترك في فكر الإقتصاد الرأسمالي الربوي العقيم ، فماذا سيفعل الناس حينها؟

ما منهج التغيير الذي لا بد أن نعمل عليه اليوم ، وما هي الأساليب التي لا بد لنا من فعلها كي نحمي أنفسنا ومجتمعنا من مضان الإحتقان الداخلي والتعسف في المطالبة بإنقاذ الناس وإستنكار أحداث لربما سيكون فيها الشيء الكثير من قطع الرواتب والفصل وخروج الناس الى الشوارع أو لربما ستنتشر جرائم السرقة والمطالبة بالتغيير.

قبل أن أسرد رسالة السنارة والدجاجة سأروي لكم ما أوقضته في نفسي من حس إقتصادي مرتقب وتذكري لحادثة رجل أعمال سعودي كان يشتري شاة وتيس يهديهما لكل شاب أو بيت سعودي يريد أن يستثمر!

رسالة السنارة والدجاجة كانت بالنسبة إلي فاتحة شهية لموضوع يهمني كلما أتذكر الطريق الى السعادة ولو تكالبت الظروف علينا ، سواء تلك التي على طريقة الزُهاد كما سماها الشيخ أحمد الخليلي أو هي تلك التي يؤيدها سماحته وهي طريقة كسب المال الحلال ومن بعدها إنفاقه في أعمال البر والخير ورفع شأن الدين ، فبالمال تقضى الحاجات وتيسر الأمور وبها يتقوى المؤمن وترسخ مكانته بين الشعوب وبها نبني حاضر ومستقبل إسلامي قوي متين ونعد القوة والسلاح لذد عن عرى الدين، وهو بين الإسهام في إعمار الأرض والكسب المشروع وبين الإنفاق في سبيل الله.

كلا الطرفين، كان زهدا أم غنى ، فالسعادة والأحزان مقسمة بين الناس كما ذكرها المفكر الإسلامي الكبير محمود مصطفى بأنها الشيء الذي يطلبه الغني والفقير، المسلم والكافر ، المعسر والميسر ، الطيب والشرير ، مطلب السعادة والحياة الكريمة.

فكرة رسالة السنارة والدجاحة هي بسيطة كما يقول كاتبها وهي أن يوزع المليون جنيه – جائزة أفضل فكرة - على عشرات الألاف من المواطنين ويشتري لهم بها سنارة ودجاجة واحدة فقط لكل مواطن ، فالدجاجة ستضمن للمواطن أكل طيب غير مغشوش يسبب له ظرر من أكله ، ولن تكلفه شيء فهو يستطيع أن يضعها في عش صغير، في شرفة منزله ، وكأنها عصفور من العصافير أو في قفص صغير ، وإن كان ليس لبيته شرفة ، فهذا وارد ... فبحسب كاتب الرسالة بأن الناس تتوسع في حدودها من المنزل المتاح فالشرفة يحولها إلى غرفة والممر إلى مجلس وهكذا .. أتصوره قال ذلك لمعرفته بضيق الحال والتفريخ العشوائي البشري العربي.

فالدجاحة ستبيض يوميا، أو كل يومين فيأكل أفراد البيت بيضا ولا بأس أن يتناوبون على أكله ، ولا بأس أن يزرع شيء من شجرة الطماطم أو الفلفل فهذا لن يكلفه شيء كذلك، فبتربيت الدجاج سنضمن شيئين مهمين.

أولا: يضمن لكل أفراد الأسرة أكل بيضة واحده طازجة ولو كل أسبوع وبالتالي يقي الجسم من أمراض كثيرة وأهمها إرتفاع نسبة الكولسترول.

ثانيا: ستتغذا الدجاجة على بقايا أكل الإنسان ، أما فضلات الدجاجة فسيستخدم سمادا طبيعيا ، دون أدنى تلويث
أما السنارة فهي الموضوع الأكبر والمشروع الأهم وهي تعني بإختصار ما يأتي:

1. متعه إنسانية رائعة يقضيها الإنسان لصيد السمك على نهر النيل أو الترع ....

2. يعود صيد السمك عند الإنسان على خصلة التأمل وكذلك يخلق لدية القدرة على الصبر وضبط النفس والتركيز الذهني.

3. يضمن لكل أفراد الأسرة أفضل وجبة بروتين لمرة أو مرتين أسبوعيا .... دون أي تكلفة ترهق ميزانية الأسرة ...

4. ينمي الصيد في الإنسان الشعور بالجمال ، فكل شيء حولنا في هذه الأيام قبيح المنظر ... والقبح ينخر في نفوسنا شيئا فشيئا، لذلك فالجلوس في أحضان الطبيعة وتأمل عظمة الخالق لهي من أبدع الأشياء ، فهاهي الماء تنساب رقراقة، والطيور تغرد والأغصان الخضر تتمايل .... وكل ذلك سحر وفتنة ينئان بعظمة الخالق القهار ، فتستقر النفس مستقر الطمأنينة والسلام ...

5. إن صيد السمك يصرف الناس العاطلين عن العمل عن التسكع والجلوس في المناصي والفرجة على شاشات الشر المسمى تلفزيون ...... فينحوا به نحو التأمل والتدبر ، فيتأمل أحاوال الذات .. ويتفجر لديه الإبداع ...


وتقول الراوية وهي تضحك بأن كاتب الرسالة أرسل نماذج لقفص يمكن صنعه في البيت وبطريقة سهلة بسيطة!

هذه هي قصة السنارة والدجاجة أما قصة الرجل الأعمال السعودي الذي يهدي كل من أراد أن يستثمر شاة وتيس ، فيقول راوي القصة بأن هذا المليونير السعودي تأتيه مقترحات وتصورات مشاريع تجارية من شباب أو شابات تكلف مئات الألاف أو حتى ملايين من الريالات السعودية ، وعندما يخبرهم بكم ستساهمون في المشروع يجد بأنهم جلهم ليس عندهم أكثر من مصروف يومهم .... ولأ أظنه إلا أن لسان حاله يقول انهم يفكرون في ما يجلب لهم الهم والتعب من حيث يدرون ومن حيث لا يدرون ، فليس البدء هكذا ... ولا يصنع المال ولا رجال أو نساء المليارات إلا بأول حجرة عثرة أو قليل متنامي!


العجيب وقبل مدة من الزمان ، كنت أستشير أحد من أقاربي ، من الدرجة الثانية ، وهو تاجر قديم ومستورد بارع ، قلت له أني أود أن أستورد البضاعة الفلانية من الدولة الفلانية وقد أعدت تقريبا خطة العمل ، قالها لي وبسرعة .. كن واضح : تريد أن تصنع مالا كثيرا وبسرعة كبيرة .. لم أستطع الإجابة مع توفرها عندي لكون الرجل ذكي وسريع البديهيه ونتبادل الأفضال ولكنه اليوم يهاجمني بلطافة مقصوده .. قلت له: ربما! وسكت! .. قال بعدها كلام كثير أفهمه ولا أفهمه وأتقنه ولا أتقنه سمعت عنه ولم أجرب إلا بعضه !!

جلست أفكر كثيرا هل أنا فعلا أريد صنع مالا كثيرا وبسرعة كبيرة ، هل تفكيري بهذه الطريقة سيأرق مضجعي بألوف كثيرة تجعلني أفكر كيف أحصل عليه وكيف أعيد إستثماره وكتابة وثائق كثيرة جلها خطط وأهداف ... أخاف أن أضيع بين الألووف والنجاح ولو بعد حين، فليس للفشل مجال عندي! وبعدها أنسى أنني فقيرا إبن فقير! ...

تغلبت على الأمر وحاولت البحث عن الفكرة ... ماذا أريد ماذا أريد ماذا أريد ... أبدء الصلاة بموقع alibaba و aliexpress و ebay و salehoo وأنتهي في الركعة الأخيرة خالي الوفاق! كذلك هو يومي بين تلك الصفحات!

أفكر وأقرأ بأن أول ما علي فعله هو البحث عن الفكرة في حدود تفكيري ومقدرتي ومن ثم أبدء عصف الذهن بخروج أفكار جديدة من قلب الفكرة الأم ومن ثم أبدء كتابة مقترح العمل يتضمن الفكرة والهدف وبعض العمليات الحسابية عن المصروفات الأولية والتشغيلية وغيرها ... فمن ليس عنده خطة عمل فليرتقب التعب والفشل! ... لكني تفاجئت بأنه لا يوجد هناك شيء مميز اليوم .. سيتي سنتر فيها كل شيء والأسواق مزدحمة بالملابس والنعل والكماليات والإلكترونيات وكافة الخدمات وكل شيء تقريبا موجود .. بماذا سأتميز وبماذا سأروج لبضاعتي وكيف وأنا مربوط اليدين في وظيفة منذ الفجر وحتى قبل الغروب .... ألا يكفي القيد هذا لأقيد نفسي ثاينة !!

جئت بعدها بأيام أقرأ قصة السنارة والدجاجة وأراجع كلام الشيخ أحمد ومقالي عودة الدراخما – أفكار تأسرني ولم أجد الخلاص منها - ... وأتساءل هل السعادة المطلوبة لدي أن أملأ حساباتي وأرصدتي بالريالات ، ومن سينتفع بها إن لم تكن هناك أصلا خطة إنفاق! ... عندي خطة عمل لبدء المشروع وجني المال .. لكن لا توجد لدي خطة للإنفاق وتغير الأمر الى سعادة وكرامة عيش وخدمة وطن ودين ، ماذا سأفعل؟ هل ستأتي أفكار الإنفاق في البر لاحقا وبعدها سأعرف الطريق الى السعادة وعيش كريم ... بدءت أنسى أن لدي أبناء وزوجة أحق ببعض الوقت من مخططاتي التي ليس لها بداية وبدون نهاية!

اليوم أقول لربما أن الشاة والتيس أو الدجاجة والسنارة مربط الفرس وبدء الفكرة.

لربما أن السعادة والإستعداد للقادم بحسب نظرتي التشائمية هي بالنظر لما حولي من إمكانيات وتسخيرها لسعادتي والرجوع خطوة للوراء ... وأظني فاعل لا محاله .. سأعود خطوة للوراء لا بد من ذلك! .. وقد قلتها لأحد معارفي القدماء عندما يأتي يستقرض مالا تقريبا كل شهر! .. قلت له: هل لأبيك مزرعة قال نعم .. قلت له إزرعها وكل من رزقها خير من المسألة ... وكان لا بد لي أن أبدء بنفسي حتى وإن كان عندي ما يكفيني المسألة !!!

سأشتري شاة وتيس ، أو دجاجة وسنارة أو لا بأس بأن أكون أكثر جنونا وأزرع داخل منزلي العصري طماطم وفلفل وأشرك أبنائي في زراعتهن أو تربية الدجاج او الماشية .. سأسترضي جيراني عندما تأتيهم الروائح ببيضة طازجة ولحم ظأن طازج وحليب طازج وفلفل وطماطم طازج ... ستأكل الطير وسأترك البعض للسباع – مسبب رزقها من السماء - وسأبقى غني النفس حتى أرضى وأتعلم وأعرف أن مقاصد الشرع في حياة المؤمن أن يستثمر دنياه لأخرته .... وأني لا بد أن أعود لأصلي لأعيش وأكون سعيدا ...

والله ولي التوفيق ،،،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة لأخي بدر العبري …

فوهة المدفع والبارود .... كلمة حق

القيم التي تعيش عليها الحياة الزوجية