ما هو مستقبل عمان في ظل هذه التداعيات؟
ماذا يفكر العرب ان يفعلوا للمستقبل؟
الأديب المستعرب الياباني نوبوأكي نوتاهارا سئل هذا السؤال قبل ما يقارب عقدين من الزمان ، وقال أن العرب لا بد أن يحلوا مشكلة 'القمع' ، لا بد أن يخرج جيلا يواجه المشكلة ويجد لها حلا وإلا لن تحل مشاكلهم الأخرى قط ، وستبقى وجوههم حزينه ، يخافون من كل شيء ، ومستقبلهم غامض ... على حد تعبيره!
وحقيقة أن وجهتنا الى المستقبل اليوم تقاس بمدى تعامل السلطة مع متطلبات التنمية ومع مساحة الحريات للأمة والشعور بالمواطنة لكل فرد، فالقمع أثبت فشله في جميع دول العالم وليس دول العرب عنا ببعيد ، فتونس ومصر وليبيا وسوريا عاشت حقبة من القمع وخنق الحريات بإسم الأمن وإسم الإستقرار وإسم السلام ، وكلها ذرائع لدوام العروش ، ولكن دوام الحال من المحال ويبقى للحاكم سجل أفعاله في أذهان أجيال متعاقبة.
ما يحصل اليوم في عُمان ، وهي همنا الأول والأخير ، من ظهور حقيقي لمعنى الخوف الأمني ، ما هو إلا بداية لمسار غامض نمشي عليه ، فقد كانت شائعات الكيس الأسود والبعوض تستشري في المجتمع العماني كالنار في الهشيم ، ولكن قلة منهم وقع في شركها أو لم نسمع عنهم ، ولم ألتقي بأحدا منهم قط ، حتى يأتي اليوم الذي جاهرَ أفراد من مجتمعنا بعصيان واضح لبنود دستور الكتاب الأبيض ، والذي قلة من هذا المجتمع شغلها بنوده ، ولعل أكثرها حساسية على الصعيد المحلي اليوم هو بند الإعابة، هذا البند والذي يحفظ للسلطان هيبته في الدولة ولذات السلطان الصون من القذف والسباب.
والأصل، ما كان ينبغي أن يكون هذا البند سببا في إطلاق شعارات ظهور القمع للحريات في عُمان! وأنه ليشغلني حقيقة أن يكون هناك هماً للسلطة أكبر من هم الوطن! هماً أكبر من هذا الذي يثيرون به الرأي العام ، محليا وعالميا وضد قرقعات، يكفي صب الماء عليها لإسكاتها لا بالنار، فالخطوط الحمراء ضد المساس بهيبة السلطان كانت لا بد أن تكون أكبر من التذمر وكان لا بد ان يكون هامشيا لا يتعدى دعوى فيها قاضي والإدعاء العام ومتهم، دون أن يخلط في تفاصيلها شيء وكأنها مؤامرة أمنية، والتي علمنا أن تفاصيلها مخزنة في كل قرص صلب وإن طالت الأيدي ما تم نشره في الإنترنت، والتعمد لطمس الحقائق.
إن هناك ما هو أولى للإلتفات إليه والتفتيش والبحث عن خطره ولعل مستقبل عمان الإقتصادي والإستقرار السياسي أحد أهم أولوياتنا ، وتاليًا يأتي الأهم فالأهم ، ويكون مكافحة الفساد الإداري والمالي في أعلى أولوياتنا ، ويتساير معها مساحة الحريات المفتوحة ، بحيث تراعى متطلبات الإنسان المواطن ، ويفسح له مجال الإعتراض ، وإذا ما كان هناك رقابة فيجب أن لا تتعدى أحدا دون أحد ، ففي اليابان يُمنع كتابة أعمى أو معوق في رواية أو مقال ، مراعاة لمشاعر هؤلاء أصحاب الإعاقة ، وتستبدل كلمة أعمى ب'من لا يجيد استخدام عينه جيدا' او رجله او سمعه وهكذا ، وهي تشمل الجميع ، أي أن الجميع تطالهم حق حفظ حقوقهم كمواطنين من ضمن مجتمع يحكمه القانون إن لم يكن شرع الله.
أخيرا، تمنيت أن لا يكون هناك بنداً خاصا يطلق عليه البعض مسمى 'قمع حكومي' وللأسف لا يتعدى هذا البند ملاحقة أمنية لمتظاهر أو معيب، فهناك خطرا حقيقيا يتهددنا جميعا بعد هذه الأحداث وهو الخوف من كل شيء وتكون نتائجه شرا مستطيرا يعود بعده المتعالين في الأرض وينتشر الفساد مضاعفا لا نجد لإجتثاثه حل سوى ثورة تقضي على نصف سكان وطننا، وربما سيبدأها هؤلاء الذين سيترقبون الفرصة ويقبعون خلف قضبان سجون الأمن، وقلوبهم مشحونه ضد أي شيء.
وإني لأثق وأُحسن الظن في شباب عمان و لكن من خلف جدار صمت الحكومة، يكون المستقبل غامض و لا نرى إتجاها لخططها المستقبلية والذي لا بد أن يحدد جليا مسار المستقبل للجيل القادم ولعل أهمها هو ماذا أبقينا من ثروات وماذا هيئنا لهم من بنى تحتيه وأرض نظيفة وإستثمارات سيادية ، وإرثا من علم وبحث ومؤسسات مدنية تكون أعمدتها مقومات المواطنه، والسؤال الأشمل ما هو مستقبل عُمان في ظل هذه التداعيات؟
محسن الغريبي
تعليقات