آفة الإحتكار ... ظُروبه وفنونه


في قرار انهاء احتكار نيوريوك لحركة الملاحة البخارية في مياهها .. تقول صحيفة جورجيا جورنال أن مركبين بخاريين وصلا الى أوجستا، أُستقبلتا بهتافات ((تسقط كافة احتكارات التجارة والمصنفات - ان شر إحداها عظيم مثل الاخرى ، أُعطونا تجارة حرة وحقوق البحار )) كان هذا في مطلع القرن التاسع عشر ... بعد هذا القرار الذي علق عليه محرر الجريدة وهو يعيش نتائج القرار انفتحت التجارة بإنفتاح كل نهر ونهير ... حتى أن التبادل التجاري شمله نقل للعقول وإستمرار في التنمية وتقنين للتبادل وتحديث لسبل العيش الحديث، حتى أصبحت صغرى الولايات تنافس أخواتها الكبرى في حدث متسارع ورتيب .. بل أن أمريكا منذ ذلك اليوم تعد أكبر سوق مشترك في العالم.

الإحتكار الذي مارسته الكثير من الشركات أغلقت حرية المتاجرة وقمعت المنافسة وأضرمت نار المديونية في معظم أفراد المجتمع وفي المقابل يتخم ملوك هذه الشركات ومسؤليها بأموال ظاهرها تسمى أرباح ، ولكنها واقعيا مغتصبه!

إن العوامل التي تفتح أفاق أرحب للتنمية المستدامة هي دائماً تلك التي تأتي مداخيلها من الحركة التجارية المستمرة ومن الانفتاح التجاري الذي من خلاله يتم التبادل التجاري ومن خلاله تكون الخيارات أوسع للمستهلك المحلي، مع الإستغلال الأمثل والدقيق لمقدرات وثروات الوطن دون هدره لرفاهية جيل دون جيل أخر!

يقول أحد بائعي قطع الغيار لصاحب لي أنه أخذ قطعتين من قطع غيار السيارات ، الأولى من ماركات السيارات المعروفة والأخرى من محله! وعرضهما على القاضي بعدما رفعت الوكالة دعوى قضائية ضده لبيعه قطع مغشوشة، على حد زعمها!! وقال له : سعادة القاضي هذه القطعة من الوكالة وهذه الأخرى التي أبيعها ، هل هناك فرق؟ القاضي وبكل ثقة وبسرعة الوميض رد عليه ، أن الفرق واضح وكبير وأن قطعة الوكالة يبدوا عليها الجودة أكثر من الأخرى ... يقول البائع : قفزت من الكرسي وقلت عذرا أيها القاضي لقد أخطأت، القطعة هذه ليست من الوكالة بل من محلي والأخرى من الوكالة !!!!!!

وكما أن للمنافسة الغير عادلة ظروب وأشكال فأن للإحتكار ظروبٌ وأفاق ، وكلاهما يأديان لنفس النتائج والأثار السلبية ، فاليوم نرى مملكات وأملاك ، مستعمرات ومستعمرين كلها متخمة بأرباح تكاد تكون أربعمائة ضعف التكلفة والنتائج يتحملها أهل الحاجة ... وليس هناك شيئا أبغض ريحا من الحاجة عندما تستمري على الفرد منا فيثقل كاهله، ولست أخبركم عن ما يتطلبه الفرد الواحد في خضم الإرتفاع العالمي للسلع والمواد.

أما عن إفرازات الفكر الإحتكاري فهي كثيرة وأراها تستفحل في الكثير من أنماط المجتمع الحديث ، حداثة شكلية بكل معنا ، لأنه حتى الخلاعة والتفسخ إستحدثناها بالخطأ!

اليوم وبعد أن نضجت بعض المؤسسات الحديثة المدنية منها والعسكرية نمت مجموعة من أنماط الإحتكار الفكري ، حتى أن بعضها أتخم بقوانين ليكون حدثا يناقض الواقع الذي أسست من أجله.

فمع القضاء على إحتكار الكراسي بقيت السياسات محتكرة الأنماط الإدارية وسياسات الممارسات للعمل دون أدنا تغيير بل أنها تتخم بالمنافذ والإستثناءات لتفادي التقوقع وزعم الحداثة ... ومن هذا الإحتكار الفكري هو إحتكار المؤسسة الصحفية التي تزعم سبق الحدث وترغم الناس على قرأتها! ... كيف وهي التي إحتكرت الفكرة والكلمة الحرة لأعوام حتى خلط الناس بين نقد الذات الإلهية ونقد التوجهات والسياسات للفرد المسؤل، الحكيمة منها والأخرى المخيبة للآمال ... بل أنها جندت كتابها كأبواق تتكلم بلسان واحدة ، لسان القاضي والجلاد إن صح التعبير.

ولم تغفل بعض مؤسسات الحكومة عن إستخدام هذا الإحتكار الفكري للذد عن قراراتها وتسويق منجزاتها وزبرقت ما يمكن زبرقته ... ولعل قرار فك الخيام جاء بأغلبية شعبية ساحقة! فقد كان للصحافة دور بارز وكبير وهي حقيقة لم تؤثر في قراري الشخصي بأننا في مرحلة إنتظار لا إعتصام، لكني مؤمن حق الأيمان بأن تبقى حريات التعبير بأنماطها مكفولة للشعب دون المساس بوطنيتهم ووصفهم بالمحرضين ، وللعلم لم أزر خيامهم ولا أرى داعي لإستمرار إعتصاماتهم ولكني مرة أخرى لا أوأيد طريقة الإيقاع بهم !

عودة للإحتكار وظروبه ، فمع تزايد الحاجة إلى ضخ دماء جديدة في المؤسسات المدنية، بقيت الأصوات نائمة أمام الإحتكار الإداري السائد في تلك المؤسسات وبقيت الأحكام والبنود القديمة محتكرة المقاعد لها وحدها مهما تغيرت الصور وودعت الكراسي الأحباب، بل أن منهجية التغير تكون في محيط لا يزيد عن ١٠٪ من صلاحيات المسؤل الجديد، ولعل ذلك ما سيجعل الوزراء الجدد أمام تحدي عظيم للبقاء في الكرسي لأكثر من سنتين ليفيق أمام مقالات ومطالبات بل ربما خيام تطالب تنحيه وإستقالته!!! ولعل الخدمة المدنية ستكون بدينة كطفل السومو بعد سنوات من دخول الوزير الجديد لأن قراراتها وإلتفافاتها للمركزية أصبحت سباجيتي إيطالية ..... مالم يغير الإحتكار الإداري الممارس بالبيوقراطية الشرقية، ويعاد صياغة كل شيء!

كذلك أوقاف الناس ودينهم فقد إحتكرت السياسات المستحدثة لفصل الدين عن الدولة و حرية الممارسات السياسية الدينية، بل همش الدين وجعل حكرا على طائفة بعينها سموهما المطاوعة ، ولهم في الذد عن عرى الدين والعقيدة دور كبير، وما أن يدغدغوا خطبهم أو محاضراتهم بالسياسة ، أُستدعوا ليكونوا بين خيارين كلاهما مر ، الاستمرار حسب طريقتهم أو التهميش مدى الحياة.

ومع مرور الايام وجدنا أعوام النهضة إحتكرت تاريخ عمان الكبير ، بل ما قبل السبعينيات سمي بالظلمات ولا تخلوا تلك الحقبة اذا ما نظرنا إليها من منظور الشمولية وعمان واحدة من صلالة الى مسندم بإنجازات وخاصة في مجال الفكر السياسي الديني وظهور العلماء الشعراء والشعراء العلماء وتجديد حقبة التأليف وإن اقتصرت على العلم الديني البحت في الفقه والعقيدة وغيرها من علوم الدين ... فلا يمكن وصف عهد عاش فيه السالمي وأبي مسلم وأبوزيد بعصر الظلمات ...

هذه صُروف من صروف الإحتكار وظروبها ولعلي لم أفي حق المقال ولكن للقاريء خيال وأفاق ليخرج الإحتكار من كل جيوب المجتمع ويلقي به بعيدا ونبقى متصالحين مع أنفسنا أولا وثم المجتمع والحكومة والوطن ...

وفق الله الجميع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة لأخي بدر العبري …

فوهة المدفع والبارود .... كلمة حق

القيم التي تعيش عليها الحياة الزوجية